·.¸.•°
»السيرة الذاتية للشيخ المرحوم راجح بن هيثم بن سبعه«
°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°
»[/glint]
ولد الشيخ راجح في قرية المقيصرة بأعلى حمومه في عام 1860 م تقريبا
وعاش عمراً مديداً ،
يتجاوز90 عاماً ، مملوءاً بإنجازات شامخة ، حتى وافته المنية
سنة 1951 أو 1952 تقريباً .
توفى والد صاحب السيرة وهو صغير السن ، ثم لحقهما أخوه
حسين هيثم ولما كان يمتاز به
المرحوم الشاعر الشيخ راجح من حنكة و شجاعة و قوة وإقدام ، فقد تولى مقاليد المشيخة
وهو صغير في السن .
كان رحمه الله شاعراً فذاً ذو حلية _ كما أكد لنا بعض المسنين _ يستخدم أشعاره لمواجهة
ومعالجة مسائل ، حيث نجد غالبية أشعاره تتعلق بالواقع الذي عاشه أبناء يافع واليمن
عامة أيام حياته .ومن ميزة كلام هذا الشاعر أن كثيراً من أبيات شعره تتسم بغموض و عمق
فكري، يجعل المرء يعتقد بأن هذا الشاعر ربما كان يتكهن بأحداث المستقبل .
وكان رحمه الله
لا يميل إلى الشعر الغزلي ، ورغم أن الشاعر راجح هيثم لم يقترب إلى خارج اليمن ، إلا أنه كان
ملماً بكثير من الأمور التاريخية ومتواضعاً في سيرته،وسريعاً في إدراك النصيحة وتدارك كلمة
الحق ، كارهاً للكذب وقائله ومفتخراً بالرجل الصادق الشجاع .كان المرحوم خالياً من جميع
عناصر الأنانية ويعتبر بأن صلاح الغير هو صلاحه .
رغم أن مشيخته تعتبر أكبر مشيخة في يافع ،إلا أن هذه المشيخة لا توجد أراضٍ زراعية مخصصة بأسم الديوان ويأتي كل ما هو يحتاج إليه ديوان المشيخة مقابل واجباته
وألتزاماته من "مكتب"(قبائل) يهر عامة أي من كل (بيت) كيلة أو بالأصح من كل (قسام)
كيلة من البن ومن الحب سنوياً .ورغم أن هذا المخصص يعتبر ثروة كبيرة جداً ، حيث لو جمع
صاحب الشأن محصول بضع سنوات وسخره لمصالحه الذاتية ،لربما كان أصبح تاجراً كبيراً،
لكن لم ينحرف الشيخ راجح هيثم عن سيرة أسلافه، وكان يفعل كما كان يفعل أجداده، وكان
المعروف عنه إذا ذهب إلى قرية ما بهدف جمع هذا المخصص المشار إليه، بأن إذا تيسر له
ذلك ، فوضعه عند أي شخص من تلك القرية كأمانة ، وما كان يؤوي منزله من هذا المخصص
إلا الشيءاليسير فقط .
وبحكم وضعه السياسي كشيخ، المعروف عن صاحب السيرة أنه كان يقضي غالبية أيامه في التجوال من منزل إلى منزل اَخر ومن قرية إلى أخرى، بغرض متابعة وإصلاح (وأولاً بأول) ما يحدث من مشاكل بين الناس بما فيها
المشاكل الأسرية البحتة. وبحكم تجوله المستمر، كان الشيخ راجح في موضع يمكنه من استكشاف ومعرفة الأسر الفقيرة من مكتبه مهما حاولت في التستر المظهري. وكان ذلك يمكنه من تقديم المساعدة بأسلوب يتلاءم مع
الوضع ويتمشى مع تعاليم ديننا الحنيف والأعراف القبلية بحيث لاتمس كرامة الأسرة أمام العامة أو تجرح مشاعرها. والجدير بالذكر هنا أن العرف القبلي يحتم على الإنسان أن لا يتدنى بمد اليد في شكل سائل أو يتظاهر بفقره
أمام المجتمع، مهما بلغت ضغوط فقره أو جوعه. ولهذا كان المرحوم راجح عندما يجد مثل هذه الأسرة الفقيرة، فسرعان ما كان يستدعي أحد أفرادها ويقول له: ((اذهب إلى عند فلان( ونقصد بذلك الشخص الذي وضع عنده
الأمانة مما جمعه، وقل له يعطيك كذا وكذا كيلة من الحب أو البن وشلها إلى داركم وجزع بها الحال حتى يرد الله عليك وعلى أسرتك،وإن سألك الشخص الذي عنده الأمانه أو أي شخص اَخر وقال: إلى فين تودي هذا!رد عليهم
وقل لهم : للشيخ راجح وانا ((بتول)) معه و(البتول معناها شاقي)ولا تبين الحقيقة على أي شخص .
ومن المعروف عن المرحوم راجح بأنه كان ينفق على الأسر الفقيرة سراً وحتى دون علم أولاده المرافقين له في جولاته لجمع المخصص. ولقد حدث مراراً أنه ذهب أولاده عند الحاجة الملحة إلى شخص المكلف بالاحتفاظ
بالمخصص، ليصدموا بكشف منه، يبين بأن المخزون أو الموضوع لديه قد صرف للناس بأمر والدهم! وعندما عاد هؤلاء إلى والدهم ليشكوا له ويعاتبوه، قائلين له: ((هل يرضيك الفقر والجوع الذي نحن فيه اليوم!))فكان يقل
لهم رحمه الله: يا أولادي، أعذروني، فقد حولت الكمية لبعض الأخوة، لأنني شفت جوعهم وفقرهم بالأمس وكان أشد منا، واليوم إذا نحن نعاني من الفقر أو الجوع، فلا عيب في ذلك، ولكن أذهبوا إلى عند أي شخص مقتدر وخذوا
منه ما تريدون في شكل سلفة وحطوا له وعد بأن تعيدوا له حقه عندما نجمع ما هو مخصص لنا في السنة القادمة إن شاء الله__ ولهذا خلق الشيخ راجح فقيراً ومات فقيراً.
وكان الشيخ المرحوم راجح من أشد الشخصيات الرافضة للاستعمار والاستبداد. فقد سلك طيلة حياته سلوكاً مشرفاً ومحبباً مما جعل حتى الأطفال يفتقدونه عندما يغيب عنهم. ومن المعروف أن كثيراً من شخصيات وأعيان يهر،
وكذلك بعض المكاتب اليافعية الأخرى كانت راغبة في تنصيبه كسلطان وخاصة بعد أن وجدوا فيه روح القيادة الصادقةوعن عدائه للاستعمار، ولكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً وبأن يطلق عليه هذا اللقب _أي السلطان_وكان لا
يرتاح حتى لمن يستدعيه بلقب شيخ وخاصة إذا كان ذلك الشخص ينتمي إلى أفراد مكتبه، إلا في المناسبات الرسمية. ولقد وجه إليه بعض أبناء مكتب يهر في احدى جلسات السمر السؤال الاتي: لماذا لا تريد أن نطلق عليك لقب
سلطان ولا ترتاح عندما نستدعيك بلقب شيخ، لأن أعمالك وحكمتك وشجاعتك ومحبتك لأرضك وشعبك تؤهلك بأن تكون ليس لشيخ فقط، وانما كسلطان مرفوع الرأس، فرد عليهم الشيخ راجح بالاتي: (( أنه بتماسك أبنائي
وأخواني وكل أبناء مكتبي برجاله وشيوخه ونسائه وأطفاله موحدين الرأي متأهلين فيما بينهم، مناصرين الحق وضد كل من كان أعوج ومتبطلاً، فأن ذلك وحده سيجعلني مرفوع الرأس قولاً وفعلاً....
لقد عاش المرحوم راجح هيثم طيلة حياته صادقاً وأميناً ومعادياً للاستعمار، وحضرالشيخ راجح مجموعة من المعارك الناتجة عن الصراع الذي كان ناشباً بين الأخوة من يافع وزيود، اَخرها في ردفان، كما حضر المذكور حرب ا
لأتراك مع الانجليز في لحج، في الحرب العالمية الأولى، وذلك بناء على طلب ودي من سعيد باشا، أحد القادة الأتراك.
وكان الشيخ راجح من أوائل الشخصيات التي عرفت نية الانجليز باستغلال الحروب الطائفية بين يافع والزيود عبر أيدي عملائهم المندسة، حيث سعى لقطع الطريق أمامهم. فقد كان المرحوم راجح اول من أمن بعودة ربط العلاقة
مع إمام اليمن...
هذه السيرة الذاتية نقلتها من كتاب ((من ينابيع تاريخنا اليمني )) للمؤلف الشيخ المرحوم ((نصر بن صالح بن سبعه ))رحمه الله .
ومن أراد معرفة المزيد عن حياة شيخ مشايخ اليهري يطلع على الكتاب المذكور أعلاه.